التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا انهارت مشاهدات المواقع الإخبارية؟.. أبرز الأسباب وأهم الحلول



بقلم: شريف عبدالمنعم
*صحفي ومُدرب متخصص في الإعلام الرقمي.
كان عامي 2020 و2021 بمثابة قمة النجاح للكثير من المواقع الإخبارية حيث تخطت معدلات التصفح المليون مشاهدة خلال اليوم الواحد في الكثير من المواقع، لكن ذلك النجاح لم يدم طويلاً وتحولت الأحلام الوردية إلى كوابيس أرجعها البعض فقط إلى تحديثات محرك البحث "جوجل"، الذي يعد المصدر الأساسي للزيارات الطبيعية.
ورغم أن تحديثات "جوجل" بالفعل تعد سبباً رئيسياً في الانهيارات التي طالت الكثير من المواقع الإخبارية، لكن أحداً لم يرصد حتى اللحظة كيف تأثرت المواقع الإخبارية سلباً بتلك التحديثات، وكيف أن تلك المواقع ذاتها كانت متوافقة في الماضي مع "جوجل" والآن باتت في عداوة واضحة مع خوارزمياته، ولهذا حاولت بقدر المستطاع رصد أهم تلك الأسباب بشكل متسلسل، مع تقديم بعض الحلول المقترحة للخروج من الأزمة، ويبقى نجاح العلاج متوقفاً على مشاركة الصحفيين أنفسهم في علاج مواطن الخلل تقنياً كان أم تحريرياً.
أسباب انهيار مشاهدات المواقع الإخبارية
1. طفرة المشاهدات المفاجئة
بداية أود استرجاع معلومة أن عامي 2020 و2021 كانا ذروة المشاهدات بسبب مكوث أغلبية الجمهور في منازلهم وقت أزمة فيروس كورونا، ولم تتوقف طفرة المشاهدات عند المواقع الإخبارية فقط وإنما طالت أيضاً قنوات اليوتيوب، حيث كان الناس تلقائياً منكبون على هواتفهم وحواسيبهم المحمولة سواء للعمل أو الدراسة وكانوا أيضاً يبحثون عن الأخبار المتعلقة بالفيروس وقرارات الإغلاق وحظر السفر واللقاحات وما إلى ذلك، وبالتالي زادت معدلات تصفح مواقع الإنترنت بصورة غير مسبوقة خلال تلك الفترة.
2. فلترة المشاريع الجديدة
بعد انتهاء أزمة كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها في أغلب البلدان، تفاجأت محركات البحث وتحديداً 
"جوجل" بوجود عشرات الآلاف من المواقع الإلكترونية وقنوات اليوتيوب التي انطلقت خلال عامي كورونا حيث إن الكثيرين استغلوا فترات الإغلاق والعمل من المنزل في إطلاق مشاريعهم المؤجلة وحققوا نجاحات سريعة كان بعضها مستحقاً، والبعض الآخر حقق نجاحات بالخطأ.
ومنذ عام 2022 بدأت خوارزميات محركات البحث فلترة المواقع الإلكترونية، وذلك حتى تحقق الهدف الأساسي الذي تسعى إليه وهو يتلخص في إظهار أفضل موقع يقدم المعلومة المفيدة التي يبحث عنها الزائر في صدارة نتائج البحث.
3. التحديثات الصارمة وكشف التلاعب التقني
دشن محرك البحث 
"جوجل" عدداً من التحديثات الكبرى الصارمة والتي اكتشفت تلاعباً كبيراً في أوصاف الميتا والوسوم (التاجز) والعناوين ونصوص المواد والروابط الظاهرة والمخفية، فضلاً عن المواضيع المنسوخة والصور المكررة، والمشاهدات الوهمية التي يتم شرائها من مواقع مغمورة، وذلك التلاعب كان قائده الأساسي غير الصحفيين الذين أطلقوا مواقع مؤقتة وغير مهنية تهدف إلى الحصول على أكبر قدر من الأموال عبر "أرباح إعلانات جوجل"، والحديث هنا على النطاق الإقليمي ولا يخص دولة بعينها.
وللأسف الشديد اكتشفت الخوارزميات أن بعض المواقع الإخبارية لجأت هي الأخرى إلى جلب المشاهدات الكبيرة بطرق غير طبيعية، وصحيح أن بعض الإدارات الصحفية لم تكن على علم بتلك الأمور لكن الخلل أصبح قائماً بالفعل، وبات أرشيف تلك المواقع متخماً بالثغرات التي تمثل عائقاً كبيراً أمام أي صحوة لتلك المواقع مرة أخرى.
4. تكرار المحتوى
مع ضغوط العمل في المواقع الإخبارية ومطالبة المحررين بإنتاج عدد معين من الموضوعات يومياً باتت العديد من الأقسام وخاصة أقسام الأخبار متشابهة في أغلب المواقع، وأكثر من نصف المحتوى منقول بالنص من وكالات الأنباء والمواقع الرائجة مع تعديلات طفيفة عليها أو حتى بدون أي تعديل، وللأسف الشديد لا يتوقف الأمر على نسخ عناوين ونصوص المواد فقط، وإنما النسخ والتكرار يطال أيضاً الصور الإخبارية والأرشيفية، وأحياناً كثيرة تكون الأخبار نفسها مكررة في ذات الموقع سواء في أقسام مختلفة أو داخل القسم الواحد !
5. المنافسة الشديدة
بعض المواقع الإخبارية الرصينة لم تتبنى استراتيجيات التلاعب بـ"خوارزميات جوجل"، ومع ذلك أصابها الضرر الشديد، وهنا قد يرجع الخلل إلى طبيعة المحتوى الذي تقدمه وهل هو متوافق مع اهتمامات الجمهور أم لا، فضلاً عن مدى التزام تلك المواقع بمعايير الكتابة التي تجعل المواد صديقة لمحركات البحث، خاصة في ظل المنافسة الشديدة وتضاعف أعداد المواقع الإخبارية عدة مرات ما جعل خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها محركات البحث تختار إبراز النتائج من المواقع التي تهتم بالمحتوى الرائج المكتوب بشكل صحيح، فضلاً عن أمور تقنية وتحريرية يجب علاجها كما سيرد لاحقاً في الحلول.
وفي النقطة السابقة أود الإشارة إلى أن المستقبل القريب ستكون فيه المنافسة على أشدها بين المواقع الإلكترونية وأدوات الذكاء الاصطناعي نفسها، والتي باتت تقدم المعلومات التي يبحث عنها المستخدمين في جميع المجالات بسرعة البرق وبدون تضليل أو التفاف أو تكرار !
الحلول المقترحة للخروج من أزمة انهيار معدلات التصفح
كان ما سبق محاولة سريعة لفهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار المفاجئ في مشاهدات بعض المواقع الإخبارية الكبرى، وفيما يلي سنحاول تقديم بعض الحلول الجذرية لعلاج تلك الآزمة، مع ضرورة التأكيد على أن العلاج يأخذ وقتاً طويلاً يتخطى 6 أشهر حتى تستعيد المواقع المتضررة ثقة محركات البحث مرة أخرى.
1. الفحص والتحديث
ينبغي إجراء فحص وتحديث شامل لجميع أوصاف الصفحات، فلا يعقل على سبيل المثال أن تضع مواقع إخبارية أسماء جميع منافسيها في أكواد الصفحة الرئيسية لها، حتى تضمن الظهور بدلاً منهم في محركات البحث، وللأسف الشديد هذا الأمر اكتشفته في العديد من المواقع الكبرى أثناء فحصها بالصدفة، ولا تعلم إداراتها بوجود ذلك التضليل نظراً لكونه لا يظهر سوى لمن يبحث في أكواد الصفحة الرئيسية.
2. تصفير المشكلات التقنية
يجب بشكل دائم تصفير جميع المشاكل التقنية في google search console وأن يتابع المسؤولين الصحفيين عن المواقع الإخبارية حل تلك المشاكل بشكل يومي بالتعاون مع المسؤول التقنيين، مع ضرورة مراقبة ظهور المحتوى (مواضيع وصور) في "جوجل" بشكل دوري، والإبلاغ عن المواقع التي تسرق محتواك أو التواصل معها مباشرة لإيقاف السرقة وحذف القديم، حتى لا يصيبك الضرر والعقوبات غير المعلنة بالخطأ.
3. تحسين تجربة المستخدم ومنع الالتفاف
ينبغي أن يكون الهدف الأول والأساسي للمواقع الإخبارية هو تقديم المعلومة المفيدة للقارئ في بداية النص قدر الإمكان، ومنع الالتفاف بوضعها في نهاية المادة، فهذا الالتفاف لن يجبر القارئ على قراءة المادة كاملة، بالعكس سيترك تجربة سلبية لدى المستخدم تجعله يبحث عن المعلومة في مكان آخر، ويمكنك أن تسأل نفسك: "كم مرة زرت فيها أحد المواقع عن طريق محركات البحث وقررت عدم زيارته مرة أخرى بسبب غزارة المعلومات غير المفيدة لك في الجزء الأكبر من النص؟!"
4. إغلاق نافورة النوافذ المنبثقة
إلحاقاً بالنقطة السابقة، أتفهم تماماً حاجة المواقع الإخبارية إلى الإعلانات كونها المحرك المادي الأساسي الذي يساعدها على البقاء، ولكن نافورة النوافذ الإعلانية المنبثقة (pop-up windows) من الصفحة الرئيسية والصفحات الداخلية باتت تشكل عائقاً كبيراً أمام سهولة التصفح، فهي لا تقدم تجربة سلبية للمستخدم فحسب، وإنما تؤثر أيضاً على سرعة الموقع من الناحية التقنية وتعوق فهرسته لدى محركات البحث.
5. ترشيد "التاجز"
يجب الإيقاف الفوري لغزارة الوسومات (التاجز) التي باتت تضر أكثر مما تنفع، فالطبيعي أن التاجز يعتبر بمثابة قسم يجمع الأخبار المتشابهة، ومن غير المعقول أن تكتظ نهايات كل المواد بتاجز منفصل لكل كلمة في العنوان، وأحياناً كثيرة تكون هناك تاجز ليس لها أي علاقة إطلاقاً بمحتوى المواد المربوطة بها.
6. تعزيز الاستراتيجيات التسويقية
في ظل تعدد منصات التواصل الاجتماعي، بات الوصول من تلك المنصات إلى المواقع الإخبارية أمراً ضرورياً، ومن الأسرار غير المعلنة أن "خوارزميات جوجل" تعتمد على وجود زيارات إلى المواقع من منصات التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديوهات "فيس بوك، منصة إكس، يوتيوب، تيك توك"، وأيضاً المشاركات عبر "واتساب"، حتى تضعها في ترتيب جيد بالنتائج، ولذلك ينبغي على إدارات المواقع تعزيز الاستراتيجيات التسويقية للترويج لاسم المواقع ومواده في المنصات الموثوقة.
7. التدريب ووضع الضوابط
يجب إعطاء دورات تدريبية لجميع الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية على كيفية كتابة المواد الصديقة لمحركات البحث بشكل احترافي غير مفتعل، وأيضاً التدريب على الأمور التقنية التي ينبغي تعرفهم عليها حتى يستطيعون الكشف عن مواطن الخلل والمساهمة في إصلاحها بشكل صحفي رصين بدلاً من إيكال المهمة إلى المسؤولين التقنيين فقط، كما يجب عدم ترك مهام كتابة ونشر المواد الأرشيفية إلى غير المختصين، وهذه النقطة تحديداً سيكون لها حديث منفصل في أحد المقالات المقبلة.
وينبغي أيضاً أن يكون لكل موقع إلكتروني "دليل تحرير إرشادي" يغطي كل نواحي النشر الإلكتروني سواء كتابة العناوين والنصوص وحتى تعليقات الصور، مع وضع ضوابط صارمة وواضحة لحالات النقل والاقتباس المقبولة والمرفوضة.. وللحديث بقية.
------------------------------------------------
لاستشارات التطوير والتدريب في مجال الإعلام الرقمي، يرجى التواصل عبر linkedin:

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صراع الخوارزميات الذكية !

بقلم: شريف عبدالمنعم *صحفي ومُدرب متخصص في الإعلام الرقمي. بينما لا تزال وسائل الإعلام التقليدية (صحافة ورقية وقنوات تلفزيونية) تلاحق أنفاسها لمواكبة سيطرة السوشيال ميديا على اهتمامات الجمهور، انتقل السباق فجأة ليصبح صراعاً بين خوارزميات تطبيقيات الذكاء الاصطناعي وعمالقة السوشيال ميديا، لتصبح وسائل الإعلام التقليدية في تحدٍ جديد أشد ضراوة وأكثر شراسة بكثير عن السابق. لم يعد الأمر متعلقاً بمواكبة المحتوى الرائج "الترند" لجذب أكبر شريحة من الجمهور، وإنما بات يتعلق بماهية وسائل الإعلام التي سيلجأ إليها الجمهور مستقبلاً للحصول على المعلومات الإخبارية والأرشيفية، وهذا هو أدنى ما سيجنيه الجمهور من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي باتت تنتج الصور ورسومات الجرافيك وتفحص الأكواد البرمجية وتكتبها بسرعة البرق، كما هو الحال في "شات جي بي تي – chatgpt" (انظر إلى الصورة أسفل المقال لم يستغرق توليدها سوى 5 ثوانٍ فقط !". ويستطيع "chatgpt" حالياً كتابة وتعديل الأكواد بعدة لغات برمجة مثل "Python وJavaScript وHTML وCSS وSQL" وغيرها، والعثور على الأخطاء في الأكو...

في باب زويلة.. احترس من الأساطير والرجل الطائر!

بقلم: شريف عبد المنعم الكثير منا يذهب إلى شارع الأزهر ولا يعرف منه غير تجار القماش والعطارة وخان الخليلي والحسين، والقليل من مرتادي المنطقة هم فقط من يعلمون أنها تحتوي على ما يزيد عن مائتي أثر إسلامي متنوعة بين المساجد والأسبلة والكتاتيب والمجموعات الأثرية، وأهمها تلك التي يحتضنها شارع المعز لدين الله الفاطمي، أشهر وأقدم شوارع القاهرة التاريخية التي كان يحوطها قديما ثمانية أبواب، زويلة والفرج في الجنوب، الفتوح والنصر في الشمال، القراطين والبرقية في الشرق، سعادة والقنطرة في الغرب. كان لهذه الأبواب العديد من الوظائف أهمها حماية المدينة من الأعداء واستخدامها للإعلان عن قدوم المواكب وتنظيم حركة دخول وخروج التجار والبضائع، ونتيجة مرور الزمن لم يتبق من هذه الأبواب سوى ثلاثة فقط: باب زويلة وباب الفتوح وباب النصر. في بداية شارع المعز لدين الله من الجهة الجنوبية نشاهد واحداً من ضمن الأبواب الثلاثة الباقية للقاهرة التاريخية، وهو باب زويلة الذي يعد واحداً من أضخم البوابات في العالم ويروي العديد من المؤرخين أنهم لم يرو باباً أكثر منه هيبة في مختلف البلدان التي زاروها ! سُمي باب زويلة بهذا الاسم نس...